هل نحن من نختار أسماءنا, أم أسماءنا تختارنا؟
لطالما تسائلت و أنا أكبر هل تمتلك أسماءنا حقاً قوة ما؟ هل نمتلك الصفة التي يحملها اسمنا بالفطرة, أم باختيارها يرجو والدينا ان نمتلكها ونحن نكبر؟ وإن لم نملكها منذ الميلاد, فهل عندما نعي معناها ونتمعن فيها, نرى مواطن النقص أو القوة فيها وفينا؟
هل يقول الشخص الكامن داخلنا لقد أطلقوا عليّ اسم (عادل) فمنذ اليوم وإلى أخر العمر سأكون شخصاً عادلاً لأستحق اسمي وأكونه؟
أم يقول هذا ما أختاروه, لكنه لم يكن خياري فأنا أفضل أن أكون (شاكراً).
تبدو الفنانة فيروز حين تغني كلمات جوزيف حرب أكثر ثقة مني حين يتعلق الأمر بماهية الاسم وعن ماذا يعبر, هي قالت: أسامينا, شو تعبو أهالينا تلاقوها, وشو افتكروا فينا/ الأسامي كلام, شو خص الكلام, عينينا هنّي أسامينا.
أتفق معاها أن الأسم كلمة ولكنها كلمة لها جوهر ولها قوة و ربما هي بنفسها اقتنعت بذلك لكن لم تكفيها السطور للتعبير.
قد لا تملك الأسماء قوة التغيير, لكنها تملك قوة التعبيير والتمييز. فلا يمكنك الإخبار عن شيئ لا يملك اسماً.
ولكي ندرك ذلك, و نتأمل حال من سبقونا في إدراكهم لقوة الاسم. ستجد مثلاً أن الفراعنة كانت لديهم معتقداتهم القوية بخصوص القوة التي يعطيها الاسم لصاحبه. بل و أضافوا انه لو امتلك الفرعون أكثر من اسم سيحوز بذلك قوة جبارة يملكون بها ممالكهم ويحكمون بها شعوبهم
وكانوا بذلك يتشبهون بالإلهة عشتار (إيزيس) التي كانت توصف بأنها صاحبة المائة اسم بل و قيل الألف الاسم.ولابد أنك تتساءل وما معنى ذلك؟
كانت الاسماء ومعان هذه الأسماء هي وظائف يقوم بها الإله, فعندما توصف “إيزيس” بأنها الخالقة والمميتة ومشعلة الحب والحرب فهي تكون بذلك من تعلل الأشياء والأفعال.
و ارتباط الاسم بقوة الشخص وماهيته في الحياة استمر حتى بعد الفراعنة, فمثلاً لدى قبائل الاسكيمو توصيف للكائن البشري فهم يقسمونه إلى (جسد, ونفس, واسم) و بدون الاسم يكون الانسان ناقصاً للأهلية القانونية و حتى غير موجود من أصله.
و لأن اسم الانسان لديهم كان بهذه الأهمية, فعندما كان يولد طفل جديد في القبيلة, كانت القبيلة تجتمع لتختار له اسماً ولكي يقرروا اي اسم من أسماء الأجداد سوف يحمل, وذلك لأن الجد يصبح حاضراً في الطفل الجديد عبر الاسم.
وأعتقد ان هذا يمكن ان يفسر لنا تكرار أسماء بعض الملوك في خلفائهم مثل ( لويس الرابع عشر, ولويس الخامس عشر) هذا التقليد يمنحنا فهماً لم تقوم به الشعوب. وذلك لأن تكرار الاسم يؤدي إلى تكرار الأفعال العظيمة التي تمت في عهد المؤسس.
وقوة الاسم لا تقتصر على الكائن الانساني, ولكن مواطن قوة الاسم تنتطبق أيضاً على البلاد والدول.
ولكن الأمر هنا أقل تعقيداً, فهناك بعض المحددات التي تتحكم في أسماء الدول مثل الموقع الجغرافي, شكل البلاد و مظهرها, او نسبة لقبيلة ما
والأمر الأخير هو ان تسمى باسم شخصية تاريخية معروفة. وذلك ما يثبت لك أيضاً انه حتى البلاد تستمد قوتها من قوة مؤسسيها وشعبها.
وأن أصحاب الأرض يستمدون أيضاً قوتهم و صلابتهم من بلادهم و طبيعتها.فعلى سبيل المثال لا الحصر, أخذت الفليبين اسمها من اسم الملك “فيليب الثاني” خلال القرن السادس عشر. وسميت الجزائر بهذا الاسم إشارة إلى الجزر الصخريّة الموجودة بالقرب من دولة الجزائر في البحر الأبيض المتوسط.
وعلى غير العادة فهناك بلاد اخترعت لنفسها اسم وتمنت ان يناديها به الجميع لتثبت ان لها وجود, فهي تعلم جيداً ان الإقرار بالاسم هو إقرار بالوجود والقوة كما ذكرنا سابقاً. ولكن الوجود والقوة يرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالفعل و استمراره, فمثلاً لا يمكنك ان تقول انك مصري ان لم تحمل الجنسية المصرية ولك أجداد مصريين وتعرف تاريخ بلادك الحقيقي وتعرف حدود أرضك وتلتزم بها.
ولا يمكنك أن تقول انك حر مالك وانت لا تعمل ولا تصرف على أهل بيتك ولا تقضي حاجاتهم فا الوصف هنا لا ينطبق على الفعل وبالتالي ليس له وجود وايضاً ليس له تأثير فهو لا يملك اي قوة.
وهذا ما يدركه السياسيون جيداً وما أدركه من لا يملكون أرضاً ولا حدوداً ولا دولة, ولذلك حاولوا منذ وقت طويل ان ينطق العالم اسمهم, أن يعترف الحكام بوجودهم. أن يتم ذكر أبجديتهم في الاتفاقات و الاجتماعات الدولية, فقط لأنهم يعلمون أنه اذا ذكر اسمهم, وتم الاعتراف بوجودهم عندها سيملكون القوة.
واذا وصلنا عند هذا الحد من الفهم لقوة الاسم, فعندها ستدرك أيضاً انك لتجرد أحدهم من القوة والوجود, فعليك بعدم ذكر اسمه, على الأقل الاسم الذي يقره لنفسه وانت لا تعترف به. فتناديه مثلاً بالمحتل, اوبالمعتدي, او بال(مايتسموش). او تثبت له أنه لا يملك من الاسم غير حروف مبعثرة و شعب مشتت و حكومة مزيفة و ضمائر متعفنة و روح تم تشويهها على مدار التاريخ. فيصبح بذلك بلا روح ولا اسم ولا ضمير. فتنتفي عنه صفة الانسان ويصبح شيئ لا نعرف ماهيته وبالضرورة سيصبح نكرة.