لا يمكنني ان اتذكر انه خلال العشر سنوات الماضية قد مر عليَّ عمل ما لم يكن محدد فيه موعداً لتسليم شيئاً ما او مشروع ما او إنهاء عمل في وقت محدد.
ولا يمكنني أن أتذكر ايضاً أنني تخلفت عن تسليم أي ورقة عمل أو مشروع في موعدها المحدد, في الحقيقة كنت أشعر بالذعر والارتباك إذا تم تعيين اي عمل لي دون تحديد موعد نهائي لتسليمه.حتى وان كنت أتقنه أو أعلم تحديداً كم يحتاج من وقت لإنهائه.
ربما لذلك علاقة ما بأحد اضطرابات القلق والتوتر التي عانيت منها لفترات طويلة في حياتي ولازلت احاول السيطرة عليها. وربما كان ذلك بسبب انني لا اتحمل فكرة التقصير في عمل ما أو تسليم عمل غير منتهي أو غير متقن. لأن ذلك بالضرورة سيقود إلى تعرضي للنقد, حتى وإن لم يأت ذلك النقد من صاحب العمل.. سوف يأتي في النهاية من داخل رأسي و يؤرق نومي المتأرق بطبيعة الحال لأيام.
لذلك حفاظاً على سلامة عقلي وسلامة ضميري وسلامة نومي فا أنا احتاج لتحديد موعد نهائي لتسليم أي شيء التزم به أو ألزم نفسي به.
والحقيقة أن شبح الموعد الأخير أو (deadline) كما نعرفه جميعاً لا يرحب به الجميع مثلما أرحب أنا به. ذلك التاريخ المحدد الذي يتم وضعه من أجلك أنت تحديداً لتنهي شيئاً, يراه الكثير كأحد وسائل الضغط أو أحد أساليب تضييق الخناق على موظف او طالب او حتى طاهي في أحد المطاعم.
ولو تفكرت قليلاً ستجد ان كل الأعمال يجب أن يكون لها موعد محدد لتسليمها او لإنهائها وإلا ستعم فوضى ستحتاج لـ deadline لترتيبها في أسرع وقت.
ولكن دعنا نتخيل ولو لدقائق ان الحياة والأعمال والمشاريع والطبخات التي سيقوم بها أي أحد منا غير مقيدة بموعد محدد لتسليمها وانهائها, وان لدينا ما يكفي من الوقت الذي نريد نحن ونختار لنقرر أننا انهيناها. تُرى هل سنتمكن حقاً من الانتهاء منها؟ وان كان لدينا متسع من الوقت هل سننهيها بنفس الكفاءة الذي يجبرنا عليها احياناً ضيق الوقت الذي نضع فيه أنفسنا حين يكون هناك تاريخ محدد للانتهاء؟
دعنا نطرح السؤال الأهم, هل كانت ستبدو الحياة ذات مغزى إن لم نكن نعلم ان هناك حتماً موعداً لتسليم حياتنا التي نملك الآن؟
وهذا يأخذنا بالضرورة للسؤال المتكرر الذي لايملك أحد إجابته المثالية وكلٌ يجيبه حسب فلسفته في الحياة, لو كان لديك الخيار بمعرفة تاريخ موتك هل تريد ان تعرف ام لا ؟ هذا موعد نهائي آخر علينا مناقشته.
والمفارقة يا صديقي, ان كل شيئ ذو قيمة تقدمه في الحياة مثل عملك لتترقى مثلاً, مشروعك الخاص لتحصل على تمويل, وحتى في طهو الغداء لتقديمه ساخناً ولذيذاً يجب أن يرتبط بموعد نهائي وإلا سيكون هناك عواقب. والموعد النهائي الأصعب والأكثر توتراً في الحياة الذي ينتظر الجميع, هو الموعد الوحيد الغير معروف.
ورغم ذلك, تؤرقنا المواعيد النهائية المعروفة وتقلق نومنا بل وتبقينا مستيقظين لأيام لنصل إلى خط النهاية دون تأنيب أو توبيخ او رفض لما قدمناه.
ولا يؤرقنا الموعد الغير معروف بالقدر ذاته, بل أحياناً في زحام الحياة ننسى تماماً انه قد يباغتنا خلال الدقيقة القادمة قبل انتهاء هذا المقال.
و الأن.. هل أصبتك ببعض توتري وقلقي المفرط من المواعيد النهائية الغير محددة؟ لم يكن ذلك مقصوداً لكنني لم أضع موعداً أنتهي فيه من هذه الكلمات التلقائية التي تنساب إليك و ربما كان هذا السبب. وقد أكون انتبهت الآن أنني ومن دون وعي مني أعلم جيداً أن المواعيد النهائية الغير معروفة خطيرة, ومربكة ومباغتتها لنا في أي وقت في الحياة ستكون اختباراً قوياً بل سيكون الاختبار الأهم. وأن كل المواعيد النهائية الأخرى التي نعلم, ستكون أقل وطأة وضغطاً على أعصابك وأعصابي لأننا ببساطة نعلم كيف ستنتهي.